تأثير الأزمات العالمية على سلاسل التوريد وإدارة مخاطر الشحن وتنويع الموردين
24 يونيو

تأثير الأزمات العالمية على سلاسل التوريد وإدارة مخاطر الشحن وتنويع الموردين

مع دخولنا النصف الثاني من 2025 تزداد تعقيدات البيئة العالمية، فالموجات المتعاقبة من الأزمات مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وأحداث اضطراب الملاحة البحرية في البحر الأحمر أظهرت هشاشة شبكات الإمداد حول العالم، وقد أظهرت دراسة أن نحو 89% من الشركات شهدت حدثًا طارئًا متعلقًا بالموردين خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعني أن المخاطر باتت واقعًا يوميًّا، فعلى سبيل المثال أظهرت استطلاعات شملت القطاعين الخاص والعام أن 57% من الشركات عانت من تعطيلات كبيرة في سلاسل توريدها أثناء جائحة كورونا، بينما توقفت العمليات في معظم أسواق الطاقة والحبوب بسبب الحرب الأوكرانية، وتشير أرقام مؤسسة MIT SCALE أن روسيا وأوكرانيا معًا توفران نحو 33% من إنتاج القمح العالمي و75% من زيت دوار الشمس، وما زاد الأمر تأثرًا هو فرض العقوبات عليهما مما عطّل هذه الإمدادات الحيوية.

كما أن إغلاق الموانئ الأوكرانية الرئيسية مثل أوديسا، عطل نحو 70% من صادرات أوكرانيا التي كانت تمر عبر البحر، كل ذلك دفع الشركات إلى إدراك حتمية تقييم المخاطر والتخطيط لمواجهتها قبل وقوع الكارثة، حيث أكد خبراء لوجستيات أن اهتمام القادة والمستثمرين صار منصبًّا على بناء سلاسل توريد مرنة قادرة على الصمود أمام الصدمات.

استراتيجيات تنويع الموردين وتقليل الاعتماد على مورد واحد

لتجنب توقف الأعمال عند تعطل مصدر واحد، ينصح الخبراء دائماً بتوسيع قاعدة الموردين جغرافيًا، إذ يشدد تقرير من شركة اللوجستيات WTA على أن الاعتماد على مورد واحد قد يكون كارثيًا، ويقترح البحث عن موردين في مناطق ودول مختلفة لتخفيف تأثير الكوارث المحلية مثل النزاعات أو الكوارث الطبيعية، وتؤكد تحليلات حديثة أن “تنويع الموردين” هي استراتيجية رئيسية للتخفيف من مخاطر سلسلة التوريد؛ فقد اتجهت 73% من الشركات إلى اعتماد موردين بديلين (dual-sourcing) لتحسين مرونة سلاسلهم التوريدية.

ومن الممارسات الناجعة كذلك اختيار مورّدين لديهم إنتاج في مواقع عدة، مما يضمن وجود بدائل في حالة توقف منشأة ما، وبنفس القدر من الأهمية ينصح البعض بنقل جزء من الإنتاج أو المخزون إلى مصادر جغرافية أقرب إلى السوق الرئيسية (مبدأ nearshoring) لتقليل مخاطر النقل وتأثير الأحوال الجوية، أما التكنولوجيا فتمثل ركيزة دعم؛ فتطبيق نظم الرؤية اللحظية (visibility) وتحليل البيانات الصناعية والذكاء الاصطناعي يساعد على التنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها.

كيف يمكن للشركات العربية الاستفادة من الموردين الأتراك؟

تُعد تركيا جسرًا حيويًا بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، مما يمنحها مكانة استراتيجية في سلاسل الإمداد الإقليمية والدولية، فقد شهد العام 2023 ارتفاعًا قويًّا في صادرات تركيا إلى دول الخليج، إذ تجاوز إجمالي صادراتها إلى السعودية والإمارات 11 مليار دولار مقارنةً بـ6.3 مليار في العام الذي سبقه، وفي هذا السياق قفزت صادرات تركيا إلى السعودية وحدها بنسبة 150% لتصل إلى 2.6 مليار دولار، تضمنت منتجات متنوعة مثل السجاد والحبوب والكيماويات، هذا التنوع يدل على قدرة الصناعة التركية على تلبية مختلف الاحتياجات.

أضف إلى ذلك مزايا الجودة والتكلفة؛ فتركيا معروفة بإنتاج سلع عالية الجودة بأسعار تنافسية، من النسيج والملابس إلى الإلكترونيات والآلات، ويساعد القرب الجغرافي لتركيا المستوردين العرب إلى اختصار زمن النقل وخفض كلفة الشحن، مما يعزّز الجدوى الاقتصادية للاعتماد على الموردين من تركيا، كما أن اتفاقيات التجارة والجمارك الميسرة التي توقعها تركيا مع مختلف الدول تساهم في تسريع إجراءات التخليص الجمركي وتقليل الرسوم، الأمر الذي يزيد من جاذبية هذه التجارة.

إن موقع تركيا الاستراتيجي وطاقتها الإنتاجية الكبيرة يفسّران ارتفاع حجم التبادل التجاري مع الدول العربية، فقد حققت صادرات تركيا إلى دول الخليج أعلى معدلات نمو في 2023، كما أن المستوردين العرب يجدون في الموردين الأتراك خيارًا مفيدًا؛ إذ تجمع الشركات التركية بين الابتكار وخفض التكاليف الإنتاجية، إضافة إلى قرب المسافات الجغرافية، كما أن انضمام تركيا لاتفاقيات تجارية دولية وتسهيل الإجراءات الجمركية يسرّع التدفقات التجارية ويخفض التكاليف اللوجستية للمستوردين.

اقرأ أيضًا: الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في الشحن واللوجستيات 2025

أفضل الممارسات لإدارة مخاطر التوريد

للحد من تعرض سلاسل التوريد لأي صدمات مستقبلية، يمكن للشركات تبني عدد من الممارسات المثبتة:

  • تنويع المصادر: التعاون مع مورّدين متعددين في أماكن مختلفة لتقليل الاعتماد على مورد واحد، حيث يوصي الخبراء بتقييم الموردين وتصنيفهم حسب مخاطرهم، ما يتيح تمييز الشركاء الأكثر حيوية للشركة وتوفير بدائل جاهزة.
  • المصادر القريبة: البحث عن مورّدين أو منشآت إنتاج أقرب جغرافياً مثل تركيا أو مصر يقلل زمن النقل وحساسية العمليات اللوجستية للتوترات السياسية والعسكرية، فقد شهدت الشركات الكبرى في الآونة الأخيرة نقلًا لجزء من إنتاجها إلى مصانع قريبة من أسواقها الرئيسية لتجنب تأخيرات الشحن العالمية.
  • مخزون احتياطي: تبنّي مفهوم “just-in-case” بزيادة مخزون الأمان يضمن تجاوز العقبات المفاجئة مثل إغلاقات الموانئ أو عطلات الطوارئ دون انقطاع تام للإنتاج، فكثير من الشركات اللوجستية تشير لضرورة إعادة بناء المخزون لتقليل التكاليف ومواجهة المخاطر، لأن التخزين الاحتياطي يتيح مواصلة العمليات بسلاسة خلال الأزمات.
  • رؤية وسيطرة على السلسلة: استخدام أنظمة رقمية متقدمة لتتبع الشحنات والمخزون في الوقت الفعلي يزيد من قدرة الشركة على استشراف المشكلات قبل وقوعها، ويمكن أن تشمل هذه الرؤية مراقبة الجدارة الائتمانية للموردين وتحليل بيانات الشحن، كما ينبغي إجراء تقييم دوري لمخاطر السلسلة وتحديث خطط الطوارئ باستمرار.
  • التأمين وإدارة مخاطر الشحن: يجب مراجعة تغطيات التأمين البحري لتشمل سيناريوهات تأخير الرحلات أو إعادة التوجيه؛ فقد ارتفعت تكاليف التأمين البحري إثر اضطرابات البحر الأحمر الأخيرة، فتكامل إدارة مخاطر الشحن مثل تأمين البضائع وتخطيط المسارات البديلة يُعزز الحماية المالية للبضائع والشحنة.

باتباع هذه الممارسات من التنويع والتخطيط الاستباقي والاستثمار التقني والتأمين الشامل يمكن للشركات العربية تقوية سلاسل توريدها وتخفيف أثر الصدمات المستقبلية، إن بناء مرونة حقيقية يستلزم الانتباه لكل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد، ودمج أدوات لإدارة المخاطر ضمن استراتيجيات الشركة الأساسية لضمان استمرارية الأعمال في مواجهة الأزمات.

اقرأ أيضًا: