ما هي استراتيجية الصين +1؟
استراتيجية "الصين +1" تعني تنويع مصادر التوريد والإنتاج بحيث لا تعتمد الشركة على الصين وحدها بل تضيف بلدًا آخر على الأقل لسلسلة إمدادها، ظهرت هذه الاستراتيجية كرد فعل لمخاطر التركيز المفرط على سوق واحدة؛ فعلى الرغم من أن الصين أصبحت خلال العقود الأخيرة "مصنع العالم" وأسهمت بأكثر من 18% من الاقتصاد العالمي إلا أن دول الكبرى أدركت منذ 2008 ضرورة تقليل الاعتماد عليها، وتقوم الفكرة على الاستثمار في دول بديلة مع الإبقاء على جزء من العمليات في الصين لتحقيق التوازن، والهدف هو تقليل المخاطر دون التخلي تمامًا عن مزايا التصنيع في الصين، هذه المقاربة تتبناها العديد من الشركات العالمية اليوم، إذ أن 75% من مديري سلاسل الإمداد يخططون لتعزيز المصادر البديلة خلال السنوات القادمة.
لماذا ظهرت الحاجة إلى استراتيجية الصين + 1؟
برزت هذه الاستراتيجية نتيجة عدة عوامل عالمية دفعت الشركات لإعادة النظر في سلاسل إمدادها، من أبرز الدوافع:
- الحرب التجارية والتعريفات الجمركية: خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرضت رسوم عالية على الواردات الصينية مما أجبر شركات كثيرة على نقل بعض عملياتها إلى دول آسيوية أخرى، هذا التصعيد أبرز مخاطر الاعتماد الكلي على الصين في تزويد الأسواق.
- الاضطرابات الناتجة عن الجائحة: بعد تفشي كوفيد-19 واصلت الصين سياسات الإغلاق الصارمة مما عرقل الإنتاج وأدى إلى تأخير تسليم الطلبات، كثير من الشركات وجدت نفسها تبحث عن بدائل أكثر استقرارًا لتجنب توقف امدادتها خاصة بعد أن أدت إجراءات الحجر في الصين إلى تعطل سلاسل التوريد العالمية.
- التوترات الجيوسياسية: تزايدت المخاوف من عوامل مثل تصاعد التوتر بين الصين والغرب بشأن تايوان والنزاعات التجارية، هذا الخطر السياسي دفع الشركات إلى التنويع تجنبًا لاحتمال تعطل أعمالها بشكل مفاجئ بسبب قرارات سياسية أو صراعات دولية.
- ارتفاع تكاليف الإنتاج في الصين: على عكس التصور الشائع فإن تكلفة اليد العاملة في الصين لم تعد منخفضة جدًا مقارنة بدول مجاورة، فارتفاع الأجور نتيجة شيخوخة السكان (بسبب سياسة الطفل الواحد) ونقص العمالة أدى لزيادة كلفة التصنيع.
هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة تدفع نحو التنويع، ووفقًا لاستطلاع حديث فإن ثلث مديري سلاسل الإمداد عالميًا يخططون لمغادرة السوق الصينية في الأمد القريب، صحيح أن استبدال الصين بالكامل ليس سهلاً؛ فالصين ما زالت تتمتع ببنية تحتية متطورة وقوى عاملة ماهرة وسوق محلي ضخم يحافظ على جاذبيتها الحالية، لكن حتى مع استمرار الصين كقاعدة تصنيع كبرى باتت استراتيجية (الصين+ 1) ضرورة لضمان استمرارية الأعمال وتقليل التعرض للمخاطر المفاجئة.
قد يهمك أيضًا: حرب التعريفات الجمركية - تأثيرها على سلاسل التوريد العالمية
من استفاد من استراتيجية التنويع هذه؟
مع بدء تنفيذ استراتيجية الصين +1، اتجهت الاستثمارات إلى عدة دول تستفيد من تحول سلاسل التوريد، في آسيا برزت الهند وفيتنام وماليزيا وتايلاند كوجهات رائجة؛ فمثلاً شركة أبل نقلت جزءًا من تصنيع أجهزة الآيفون إلى الهند حيث تصنع فيها حالياً 5% مع خطة لرفعها إلى 25% بحلول 2025، إندونيسيا نجحت في جذب شركات في قطاع التقنية والطاقة النظيفة، وتايلاند ركزت على صناعة السيارات، بينما فيتنام ازدهرت في الصناعات الخفيفة كالنسيج نظرًا لانخفاض تكاليف العمالة وقربها الجغرافي من الصين.
حتى دول خارج آسيا مثل المكسيك استفادت عبر استراتيجية “القرب الجغرافي” من السوق الأمريكية، وبولندا جذبت استثمارات أوروبية كونها بوابة بين أوروبا وآسيا، كذلك تركيا أيضًا ضمن البلدان المرشّحة للاستفادة من التحول في سلاسل التوريد فقد شهدت اهتمامًا متزايدًا من شركات تسعى لتنويع مصادرها الإنتاجية.
ورغم وجود بعض التحديات والمخاطر في هذه الدول التي يجب الانتباه لها إلا أن المختصون يؤكدون أنه لا ينبغي تجنب هذه البدائل مثل تركيا بل الاستفادة من مزاياها الاقتصادية الكبيرة مع التحوط الملائم، وبالفعل بدأت شركات عالمية خطوات ملموسة لبدء أعمالها في تركيا، مثلاً شركة BYD الصينية اعلنت عن استثمار مليار دولار في مصنع سيارات كهربائية بتركيا بطاقة إنتاج 150 ألف سيارة سنويًا، كما افتتحت شركات مثل شاومي وOppo مصانع للإلكترونيات في تركيا، هذه التطورات تبرز مكانة تركيا الصاعدة كمركز تصنيع إقليمي يجذب كلًا من المستثمرين الغربيين والآسيويين.
تركيا كخيار إستراتيجي ضمن استراتيجية الصين + 1
برزت تركيا في السنوات الأخيرة كإحدى أفضل الوجهات البديلة لتعزيز سلاسل التوريد خاصة للشركات والمستوردين في منطقة الشرق الأوسط، ومن أهم مزايا اختيار تركيا ضمن خطة “الصين +1”:
- جودة المنتجات والمواصفات العالية: تشتهر المنتجات التركية بجودتها الفائقة والتزامها بالمعايير العالمية مما يزيد ثقة المستوردين فيها، الصناعات التركية خاصة في قطاعات الملابس والأحذية والأثاث والأجهزة المنزلية والمواد الغذائية لها سمعة قوية في الالتزام بالجودة والتصميم، هذا التركيز على الجودة والابتكار مكّن تركيا من المنافسة عالميًا وجعل منتجاتها مرغوبة في الأسواق العربية والأوروبية على حد سواء.
- ثقة المستهلكين العرب بالمنتج التركي: يحظى المنتج التركي بمصداقية عالية لدى الأسواق العربية لا سيما في السلع الغذائية الحلال، يفضّل المستهلك العربي عمومًا البضائع التركية على نظيرتها الصينية ويثق بجودتها مما يعني أن التاجر الذي يستورد من تركيا لديه فرصة أكبر لتسويق بضائعه وبيعها بسرعة.
- تكلفة تنافسية مدعومة باقتصاد مرن: في حين أن بعض المنتجات التركية أغلى من الصينية بحكم الجودة إلا أن انخفاض قيمة الليرة التركية مؤخرًا عزز تنافسية الأسعار التركية عالميًا، كما أنها توفر توازنًا جيدًا بين السعر والجودة؛ فالمستهلك مستعد لدفع سعر أعلى قليلًا مقابل منتج متقن الصنع، أضف إلى ذلك أن تكاليف الشحن الأقرب تقل كثيرًا عن شحن البضائع من شرق آسيا ما يقلل التكلفة الإجمالية للاستيراد.
- موقع جغرافي إستراتيجي وقرب من الأسواق: تتمتع تركيا بموقع فريد بين أوروبا وآسيا وقريب جغرافيًا من الدول العربية والأسواق الأوروبية معًا، هذا الموقع يقلّص زمن الشحن بشكل كبير مقارنة بالشحن من شرق آسيا ويسمح بتلبية الطلبيات بمرونة وسرعة أعلى، كما أن موقعها المنفتح على الشرق الأوسط والعالم جعل عملية الشحن الدولي أكثر سهولة ومرونة خاصة مع دعم الحكومة التركية لقطاع التصدير.
- تنوع صناعي واسع يُغطي معظم المتطلبات: تمتلك تركيا اقتصادًا صناعيًا متنوعًا يشمل شتى المجالات، يمكن للمستوردين الحصول على تشكيلة ضخمة من المنتجات التركية بدءًا من المنسوجات والملابس مرورًا بالمنتجات الزراعية والغذائية وصولًا إلى الآلات والمعدات الكهربائية وقطع غيار السيارات، هذا التنوع يعني أنه مهما كان مجال تجارتك ستجد في تركيا موردين مناسبين.
نصائح للاستفادة من تركيا ضمن استراتيجية +1
إذا قررت تبنّي استراتيجية الصين+1 وإضافة تركيا كمصدر توريد بديل فإليك بعض الإرشادات العملية للمستوردين لضمان نجاح هذه الخطوة:
- ابحث عن المورد المناسب وتحقق من الجودة: قبل إبرام أي صفقة قم بدراسة السوق التركي في مجال منتجك، ابحث عن شركات ذات سمعة جيدة واطلب عينات لفحص الجودة، تركيا تضم العديد من المعارض الدولية والافتراضية حيث يمكنك التعرف على الموردين وبناء علاقات مباشرة معهم.
- فهم القوانين والإجراءات الجمركية: على الرغم من سهولة الشحن من تركيا بشكل عام من المهم الاطلاع على متطلبات الاستيراد في بلدك مثل شهادات المنشأ والموافقات الصحية للغذاء وضمان توفير المستندات المطلوبة، التواصل الجيد مع شركة الشحن أو وكيل التخليص الجمركي سيساعدك في تفادي أي تأخير أو عقبات عند وصول البضائع.
- الاستفادة من خدمات اللوجستيات المحلية: تعاون مع شركة شحن دولية موثوقة في تركيا مثل سكاي لاين للشحن الدولي والتصدير لتسهيل نقل بضائعك، توفر شركات الشحن التركية خدمات متكاملة تشمل التجميع والتغليف والتأمين على الشحنات مما يبسط عملية الاستيراد عليك، اختيار الشريك اللوجستي المناسب سيضمن متابعة الشحنة أولًا بأول وإيصالها في الوقت المحدد وبحالة ممتازة.
- تنويع قاعدة التوريد تدريجيًا: عند الانتقال إلى نموذج الصين+1 ابدأ بإضافة تركيا بشكل تدريجي في سلسلة التوريد الخاصة بك، يمكنك مثلاً تحويل جزء من طلباتك أو خطوط إنتاج محددة إلى مصانع في تركيا كتجربة أولية، مع الوقت وملاحظة النتائج (من حيث الجودة والتكلفة ورضا العملاء) يمكنك زيادة حجم الاعتماد على الموردين في تركيا، هذه الخطوات التدريجية ستقلل المخاطر وتسمح لك بمقارنة الأداء مباشرة مع الموردين في الصين وبذلك تحقق أفضل مزيج لمصالح شركتك.
مستقبل واعد بتنويع الاستيراد عبر تركيا
ختامًا وفي ظل عالم سريع التغير، أصبحت المرونة في سلاسل التوريد مفتاح نجاح الشركات واستمراريتها، استراتيجية الصين +1 ليست مجرد مفهوم نظري بل هي واقع تتبناه كبرى الشركات لضمان تدفق البضائع بسلاسة حتى في أوقات الأزمات، لقد رأينا كيف أن تركيا برزت كواحدة من أهم البدائل الاستراتيجية بفضل ما تقدمه من جودة عالية وثقة للمستهلك العربي ومزايا لوجستية وتكلفة معقولة، وقد انعكس ذلك في العلاقات التجارية بين تركيا ودول الخليج مثلاً، حيث ارتفعت صادرات تركيا إلى دول الخليج من 1.2 مليار دولار عام 2002 إلى 9.5 مليار دولار عام 2022 مما يدل على تنامي اعتماد المنطقة على البضائع التركية.
إن الاستيراد من تركيا ضمن خطة التنويع يمنح عملك فرصة ذهبية للاستفادة من موقع مثالي يصل بين أسواق أوروبا والشرق الأوسط، والتخطيط السليم وإدارة المخاطر تبقى ضرورية عند دخول أي سوق جديد لكن التجربة أثبتت أن مزايا تركيا كمركز تصنيع وتصدير قادرة على تعزيز قدرة شركتك التنافسية وتوفير استقرار أكبر لسلسلة الإمداد، لا تعتمد على مصدر واحد؛ فالاستفادة من تركيا كخيار ضمن استراتيجية +1 قد تكون الخطوة التي تقي عملك تقلبات المستقبل وتفتح أمامك آفاق نمو جديدة في عالم التجارة الدولية، اعتمد التنويع الذكي اليوم لتأمين نجاح أعمالك غدًا.
اقرأ أيضًا: